مظاهرات فى مصر اضرابات فى مصر اعتصامات فى مصر قتلى فى مصر مظاهرات مقاومه تظاهر فى مصر شباب مصر يتظاهر
الزمان : السابعة صباح يوم الجمعة
المكان : موقع اليوم السابع
مناوبو الشفت الصباحى فى مواقعهم كالعادة ، يتابعون الأخبار المتدفقة من صالة التحرير ، ويضعون الخريطة اليومية
للتحرك إخباريا ، فجأة تصيح شيماء ، المسئولة عن متابعة وكالات الأنباء ، هناك عطل فى شبكة الإنترنت ، الوكالات لا تعمل ، وجاوبها إلهام مكارى المسئولة عن قسم الأبلودر ، المختص برفع الأخبار فى صورتها النهائية على صفحة الموقع ، العطل عام فى شبكة الإنترنت ، وليس فى الوكالات ، يتأكد الخبر من المحررين الموجودين فى صالة التحرير ، والموبايل أيضا مقطوع ، الشبكات الثلاث معطلة .
فجأة ، سقطنا فى فراغ وظلام كاملين ، لا معلومات ، لا إنترنت ، لا محمول ، لا يوجد أى شكل من أشكال التبادل المعلوماتى أو أدوات الصحافة الحديثة التى نفخر بأنها قربتنا من تطبيقات عصر المعلومات ، وشعرنا جميعا بالعجز والغضب ، بعد أن وصلتنا الرسالة الأمنية التى تحاول فى يأس إيقاف تدفق المتظاهرين فى الشارع ، ومنع التواصل فيما بينهم .
أهكذا يتم مواجهة المتظاهرين ؟ أهكذا يتم التعامل مع المحتجين أصحاب المطالب المشروعة ؟ هل الحل هو عزل بلد بكامله عن العالم ؟ وقطع كل أشكال التواصل بين أفراده ؟ وماذا كانت النتيجة ، اندلاع أقوى مظاهرات واحتجاجات شهدتها مصر خلال السنوات الثلاثين الماضية ، مظاهرات اندفعت فيها جموع الشباب من أصحاب الوعى ، الذين ينشدون التغيير ، الشباب المحبط المحتقن الذى يعانى من البطالة والحرمان وهو يشاهد بعينيه نتائج سياسات الإفقار والإهدار ، تضع عوائد التنمية وعوائد برنامج الإصلاح الاقتصادى فى جيوب قلة من المنتفعين من أصحاب الحظوة الذين استطاعوا ركوب الموجة والالتصاق بشعارات وبرامج الحزب الوطنى الحاكم
لم ينفعهم قطع الإنترنت وتعطيل شبكات المحمول و فيس بوك وتويتر، لم ينفعهم تلك الطريقة الغشيمة والغاشمة التى اعتادت عليها وزارة الداخلية فى التعامل مع المعتقلين السياسيين ، تطوقهم بمئات من عساكر الأمن المركزى وكأنهم أعضاء فى المافيا أو قتلة مأجورين، الداخلية التى عجزت قياداتها عن التعامل الأمثل مع الاحتجاجات والتى لا تعرف إلا الهراوات والقنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاطى ،والرصاص الحى فى صدور كل من يقول لا ، حاولت وتحاول اعتقال الشعب المصرى كله ، عبر تعطيل أشكال الاتصال والتواصل ، عبر إعادته خمسين سنة للوراء ومنع الأخبار والمعلومات عنه
بأى حق تعتقلون الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ؟ بأى سلطة تحاصرونهم فى الظلام وتسلبون حقوقهم فى المعرفة والمتابعة ، وقد اكتسبوا حقوقا عالمية بضمانة الإعلان العالمى لحقوق الإنسان وجميع العهود والمواثيق الدولية ؟ بأى حق تمنعون آلاف الصحفيين من أداء واجبهم المقدس ونشر الأخبار والمتابعات و الرأى حول ما يجرى من أحداث؟
كان الزملاء فى جميع الأقسام باليوم السابع والمراسلون يحملون أخبارا ساخنة ومتابعات ورصدا حيا من مواقع الأحداث ، وتصريحات لمسئولين وقيادات المعارضة وشهادات حية للشباب الذى يقود المظاهرات ، انفرادات صحفية بمعنى الكلمة ، وكان الزملاء المصورون يخوضون غمار الاحتجاجات ويعودون بكنوز من الصور ، كل هذا الحصاد يوضع أمام إدارة التحرير بالموقع ، ولا تجد فرصة لنشره ،أو إعلانه على الناس كما اعتادت فى العلاقة الفريدة التى أسستها الصحافة الإلكترونية مع ملايين القراء الذين عقدوا اتفاقا غير مكتوب معها على التواصل والتفاعل ، نحن ننشر ونتابع لحظة بلحظة والقراء يتابعون أيضا لحظة بلحظة ، يعلقون ويستكملون ويصححون ، لتكتمل دائرة الصحافة التفاعلية الحديثة ، التى لم يعد يقبل الملايين بغيرها
أى شعور بالعجز والمهانة ، وأنت لا تستطيع أداء مهمتك التى أقسمت على أدائها بأمانة ، أى مشاعر غضب تنتابك من غباء هؤلاء الذين لم يستطيعوا تقدير الموقف فقرروا إلقاء "كرسى فى الكلوب وتضليم البلد" ، حتى يتسنى لهم التسلل تحت جنح الظلام ، لا أكثر ولا أقل ،لا احتجاجات سيطروا عليها ، ولا أمنا وفروا للناس والمنشآت ، عشرات المشاهد والأخبار لم نستطع نشرها ، ليس كسلا منا أو تقصيرا ، ولكننا أرغمنا على عدم نشرها نتيجة التصرف الغبى ممن اتخذ قرار تعطيل الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعى و شبكات المحمول.
المشهد الأول
كان عدد قوات الأمن الداخلى صباح يوم الجمعة بين ميدان التحرير وميدان عبد المنعم رياض يقترب من عدد المحتجين ، الآلاف من رجال الأمن منتشرون فى مجموعات كبيرة تدعمهم العربات المصفحة والأسلحة المتنوعة ، قنابل مسيلة للدموع ورصاص مطاطى ورصاص حى ، ومدعومون بالآلاف من الشرطة السرية التى ترتدى الملابس المدنية ، ولا تستطيع تمييزهم إلا بالهراوات والشوم التى يحملونها فى أيديهم ويطاردون المحتجين الذين يقتربون من الخطوط الحمر التى منعوا الاقتراب منها.
مع الوقت وبعد كثير من الكر والفر بين المحتجين ورجال الشرطة تراجع أفراد الشرطة فجأة عن مواقعهم بين ميدان التحرير وعبد المنعم رياض ، ليس رأفة بالمحتجين ولا تعاطفا معهم ، ليس لأن الشعور الوطنى استيقظ لديهم فجأة ،ولم يتراجعوا عن استهداف الشباب الغاضب إلى حماية المنشآت العامة والخاصة ، عكس ذلك كله تبخر رجال الشرطة عن حرائق كبيرة فى المبنى الرئيسى للحزب الوطنى ، كما اندلعت النيران فى عدد من العربات التى كانت بحوزتهم ، وشعر الجميع لأول مرة بحالة كبيرة من الفراغ الأمنى ، أعقبت ذلك الاستعراض المفرط والعنيف ضد المحتجين ن فأين ذهبت كل هذه الحشود الأمنية؟ ومن سمح بانطلاق البلطجية والمسجلين للسلب والنهب والترويع؟
المشهد الثانى
فى منتصف النهار وبترتيب غريب فى القاهرة والمحافظات ، تم إضرام النار فى معظم أقسام الشرطة وإطلاق المحتجزين ، قسم السيدة زينب والمطرية والأزبكية وعين شمس والمنتزه والمنصورة والمنوفية والزقازيق ، من الذى رتب لساعة الصفر التى تم فيها إشعال النيران فى معظم أقسام الشرطة على مستوى الجمهورية والانتظار حتى تأتى النار على المبانى والملفات ، وكأنها عملية تطهير بالتعبير الأمنى لأناس يعرفون أنهم راحلون راحلون
نعم هناك كراهية لكثير من رجال الشرطة فى أذهان الغالبية من المواطنين وهناك أقسام بعينها اكتسبت سمعة سيئة ، بعد أن شهدت أكثر من حالة تعذيب للمواطنين ، وفى مقدمتها قسم المنتزه الرهيب بالإسكندرية ، وربما يذهب البعض إلى القول بأن المواطنين فى غمرة غضبهم وانفعالهم أقدموا على حرق أقسام ونقاط الشرطة انتقاما من أشكال التنكيل والتعامل المهين الذى مارسه المنتسبون إلى جهاز الأمن الداخلى ، لكن هل توافقت انفعالات المواطنين الغاضبة على إضرام النار فى أول رموز وزارة الداخلية فى نفس التوقيت؟ سؤال مفتوح ويحتاج إلى إجابة مقنعة .
المشهد الثالث
كانت العربات المصفحة وعربات الأمن المركزى تسير بسرعة وفى مسارات غير منتظمة هادفة إلى تفريق الشباب المحتج ، وكان العساكر الذين يقودون هذه العربات لا يعملون حسابا لإصابة الشباب ، بل إنهم فى بعض الأحيان كانو كما لو أنهم يتعمدون استهداف ودهس المتظاهرين .
لن أنسى ذلك المشهد الذى كان بطلاه عربة أمن مركزى وأحد الشباب العزل الذى لا يحمل إلا غضبه وشعاراته التى يهتف بها من أجل الإصلاح والتغيير ، كانت العربة الضخمة تأتى مسرعة باتجاه مجموعة من الشباب ، بهدف ترويعهم وتفريقهم ، فسبق هذا الشاب الذى لمح العربة على مبعدة ووقف فى مننتصف الشارع وكأننا أمام إحدى الحركات الخطرة لأحد مصارعى الثيران فى الحلبة عندما يتحدى الماتادور الثور الهائج الذى يعدو باتجاهه ، وقف الشاب ثابتا يحدق فى عربة الأمن المركزى المهرولة باتجاهه إلى أن أجبرها على التوقف على بعد سنتيمترات منه ، ليثبت انتصار العزل على الرصاص والحديد.
المشهد الرابع
فى الوقت الذى تراجعت فيه قوات الأمن عن أداء مهامها بحماية المنشآت العامة والخاصة ،بعد نزول قوات الجيش إلى الشوارع ، وبدأت الأنباء تتواتر بغرابة عن وجود محاولات لسرقة ونهب المتحف المصرى ، كان أول ما تبادر فى أذهان الشباب المحتجين أن يفرضوا طوقا أمنيا تلقائيا حول أسوار المتحف .
كان مشهد تشابك أيدى الشباب الواعى بأهمية حماية ثروته الوطنية مشهدا يجرى الدموع فى العيون ، وأكبر رد على المشككين الذين حاولوا إلصاق تهمة النهب بهم ، بل إن هؤلاء الشباب العزل الذين جعلوا من أجسادهم طوقا أمنيا لحماية ثروتهم القومية فى المتحف المصرى ، هم الذين قبضوا على نهابى المتحف وسلموهم إلى قوات الجيش التى أخذت مواقعها فى وسط القاهرة.
المشهد الخامس
كذب من اتهم المتظاهرون العزل والشباب دعاة التغيير بإحراق الممتلكات الخاصة والعامة ،كذب من افترى بأن هؤلاء الشباب انقلبوا على غاياتهم النبيلة وسعوا إلى الحرق والتخريب ، هؤلاء الشباب ليسوا البلطجية الذين زوروا وأفسدوا الانتخابات الماضية ، ليسوا المسجلين الذين أطلقتهم قيادات الداخلية لترويع المواطنين ليعودوا ويستنجدوا بهم ، على العكس من ذلك لقد رأينا بأعيننا كيف سعى هؤلاء الشباب النبلاء إلى الحفاظ على المنشآت العامة والخاصة ، وتنظيم المرور وهم يحملون أعلام مصر ، ويساعدون على إسعاف الجرحى والمصابين ، والعمل على تسهيل مرور عربات المطافئ ، للقيام بدورها وإطفاء الحرائق التى تركها رجال الأمن الداخلى مشتعلة بعد انسحابهم المريب.
لقد كان من أهم المشاهد خلال الأيام الماضية ، ذلك المشهد الذى يساعد فيه عدد من شباب المحتجين رجال الحماية المدنية فى إطفاء المنشآت الخاصة والعامة ، استكمالا لدورهم التلقائى النبيل فى المناداة بالتغيير ، ومواجهة المفسدين والبلطجية الذين أطلقهم الأمن على المواطنين .
بلادى بلادى ..تحيا مصر ، كانت هتافات هؤلاء الشباب الثائر والذين تعاطفوا معهم طلبا لمستقبل أفضل لهذا البلد الذى نرجوه آمنا سالما أبدا .. آمين
الزمان : السابعة صباح يوم الجمعة
المكان : موقع اليوم السابع
مناوبو الشفت الصباحى فى مواقعهم كالعادة ، يتابعون الأخبار المتدفقة من صالة التحرير ، ويضعون الخريطة اليومية
للتحرك إخباريا ، فجأة تصيح شيماء ، المسئولة عن متابعة وكالات الأنباء ، هناك عطل فى شبكة الإنترنت ، الوكالات لا تعمل ، وجاوبها إلهام مكارى المسئولة عن قسم الأبلودر ، المختص برفع الأخبار فى صورتها النهائية على صفحة الموقع ، العطل عام فى شبكة الإنترنت ، وليس فى الوكالات ، يتأكد الخبر من المحررين الموجودين فى صالة التحرير ، والموبايل أيضا مقطوع ، الشبكات الثلاث معطلة .
فجأة ، سقطنا فى فراغ وظلام كاملين ، لا معلومات ، لا إنترنت ، لا محمول ، لا يوجد أى شكل من أشكال التبادل المعلوماتى أو أدوات الصحافة الحديثة التى نفخر بأنها قربتنا من تطبيقات عصر المعلومات ، وشعرنا جميعا بالعجز والغضب ، بعد أن وصلتنا الرسالة الأمنية التى تحاول فى يأس إيقاف تدفق المتظاهرين فى الشارع ، ومنع التواصل فيما بينهم .
أهكذا يتم مواجهة المتظاهرين ؟ أهكذا يتم التعامل مع المحتجين أصحاب المطالب المشروعة ؟ هل الحل هو عزل بلد بكامله عن العالم ؟ وقطع كل أشكال التواصل بين أفراده ؟ وماذا كانت النتيجة ، اندلاع أقوى مظاهرات واحتجاجات شهدتها مصر خلال السنوات الثلاثين الماضية ، مظاهرات اندفعت فيها جموع الشباب من أصحاب الوعى ، الذين ينشدون التغيير ، الشباب المحبط المحتقن الذى يعانى من البطالة والحرمان وهو يشاهد بعينيه نتائج سياسات الإفقار والإهدار ، تضع عوائد التنمية وعوائد برنامج الإصلاح الاقتصادى فى جيوب قلة من المنتفعين من أصحاب الحظوة الذين استطاعوا ركوب الموجة والالتصاق بشعارات وبرامج الحزب الوطنى الحاكم
لم ينفعهم قطع الإنترنت وتعطيل شبكات المحمول و فيس بوك وتويتر، لم ينفعهم تلك الطريقة الغشيمة والغاشمة التى اعتادت عليها وزارة الداخلية فى التعامل مع المعتقلين السياسيين ، تطوقهم بمئات من عساكر الأمن المركزى وكأنهم أعضاء فى المافيا أو قتلة مأجورين، الداخلية التى عجزت قياداتها عن التعامل الأمثل مع الاحتجاجات والتى لا تعرف إلا الهراوات والقنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاطى ،والرصاص الحى فى صدور كل من يقول لا ، حاولت وتحاول اعتقال الشعب المصرى كله ، عبر تعطيل أشكال الاتصال والتواصل ، عبر إعادته خمسين سنة للوراء ومنع الأخبار والمعلومات عنه
بأى حق تعتقلون الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ؟ بأى سلطة تحاصرونهم فى الظلام وتسلبون حقوقهم فى المعرفة والمتابعة ، وقد اكتسبوا حقوقا عالمية بضمانة الإعلان العالمى لحقوق الإنسان وجميع العهود والمواثيق الدولية ؟ بأى حق تمنعون آلاف الصحفيين من أداء واجبهم المقدس ونشر الأخبار والمتابعات و الرأى حول ما يجرى من أحداث؟
كان الزملاء فى جميع الأقسام باليوم السابع والمراسلون يحملون أخبارا ساخنة ومتابعات ورصدا حيا من مواقع الأحداث ، وتصريحات لمسئولين وقيادات المعارضة وشهادات حية للشباب الذى يقود المظاهرات ، انفرادات صحفية بمعنى الكلمة ، وكان الزملاء المصورون يخوضون غمار الاحتجاجات ويعودون بكنوز من الصور ، كل هذا الحصاد يوضع أمام إدارة التحرير بالموقع ، ولا تجد فرصة لنشره ،أو إعلانه على الناس كما اعتادت فى العلاقة الفريدة التى أسستها الصحافة الإلكترونية مع ملايين القراء الذين عقدوا اتفاقا غير مكتوب معها على التواصل والتفاعل ، نحن ننشر ونتابع لحظة بلحظة والقراء يتابعون أيضا لحظة بلحظة ، يعلقون ويستكملون ويصححون ، لتكتمل دائرة الصحافة التفاعلية الحديثة ، التى لم يعد يقبل الملايين بغيرها
أى شعور بالعجز والمهانة ، وأنت لا تستطيع أداء مهمتك التى أقسمت على أدائها بأمانة ، أى مشاعر غضب تنتابك من غباء هؤلاء الذين لم يستطيعوا تقدير الموقف فقرروا إلقاء "كرسى فى الكلوب وتضليم البلد" ، حتى يتسنى لهم التسلل تحت جنح الظلام ، لا أكثر ولا أقل ،لا احتجاجات سيطروا عليها ، ولا أمنا وفروا للناس والمنشآت ، عشرات المشاهد والأخبار لم نستطع نشرها ، ليس كسلا منا أو تقصيرا ، ولكننا أرغمنا على عدم نشرها نتيجة التصرف الغبى ممن اتخذ قرار تعطيل الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعى و شبكات المحمول.
المشهد الأول
كان عدد قوات الأمن الداخلى صباح يوم الجمعة بين ميدان التحرير وميدان عبد المنعم رياض يقترب من عدد المحتجين ، الآلاف من رجال الأمن منتشرون فى مجموعات كبيرة تدعمهم العربات المصفحة والأسلحة المتنوعة ، قنابل مسيلة للدموع ورصاص مطاطى ورصاص حى ، ومدعومون بالآلاف من الشرطة السرية التى ترتدى الملابس المدنية ، ولا تستطيع تمييزهم إلا بالهراوات والشوم التى يحملونها فى أيديهم ويطاردون المحتجين الذين يقتربون من الخطوط الحمر التى منعوا الاقتراب منها.
مع الوقت وبعد كثير من الكر والفر بين المحتجين ورجال الشرطة تراجع أفراد الشرطة فجأة عن مواقعهم بين ميدان التحرير وعبد المنعم رياض ، ليس رأفة بالمحتجين ولا تعاطفا معهم ، ليس لأن الشعور الوطنى استيقظ لديهم فجأة ،ولم يتراجعوا عن استهداف الشباب الغاضب إلى حماية المنشآت العامة والخاصة ، عكس ذلك كله تبخر رجال الشرطة عن حرائق كبيرة فى المبنى الرئيسى للحزب الوطنى ، كما اندلعت النيران فى عدد من العربات التى كانت بحوزتهم ، وشعر الجميع لأول مرة بحالة كبيرة من الفراغ الأمنى ، أعقبت ذلك الاستعراض المفرط والعنيف ضد المحتجين ن فأين ذهبت كل هذه الحشود الأمنية؟ ومن سمح بانطلاق البلطجية والمسجلين للسلب والنهب والترويع؟
المشهد الثانى
فى منتصف النهار وبترتيب غريب فى القاهرة والمحافظات ، تم إضرام النار فى معظم أقسام الشرطة وإطلاق المحتجزين ، قسم السيدة زينب والمطرية والأزبكية وعين شمس والمنتزه والمنصورة والمنوفية والزقازيق ، من الذى رتب لساعة الصفر التى تم فيها إشعال النيران فى معظم أقسام الشرطة على مستوى الجمهورية والانتظار حتى تأتى النار على المبانى والملفات ، وكأنها عملية تطهير بالتعبير الأمنى لأناس يعرفون أنهم راحلون راحلون
نعم هناك كراهية لكثير من رجال الشرطة فى أذهان الغالبية من المواطنين وهناك أقسام بعينها اكتسبت سمعة سيئة ، بعد أن شهدت أكثر من حالة تعذيب للمواطنين ، وفى مقدمتها قسم المنتزه الرهيب بالإسكندرية ، وربما يذهب البعض إلى القول بأن المواطنين فى غمرة غضبهم وانفعالهم أقدموا على حرق أقسام ونقاط الشرطة انتقاما من أشكال التنكيل والتعامل المهين الذى مارسه المنتسبون إلى جهاز الأمن الداخلى ، لكن هل توافقت انفعالات المواطنين الغاضبة على إضرام النار فى أول رموز وزارة الداخلية فى نفس التوقيت؟ سؤال مفتوح ويحتاج إلى إجابة مقنعة .
المشهد الثالث
كانت العربات المصفحة وعربات الأمن المركزى تسير بسرعة وفى مسارات غير منتظمة هادفة إلى تفريق الشباب المحتج ، وكان العساكر الذين يقودون هذه العربات لا يعملون حسابا لإصابة الشباب ، بل إنهم فى بعض الأحيان كانو كما لو أنهم يتعمدون استهداف ودهس المتظاهرين .
لن أنسى ذلك المشهد الذى كان بطلاه عربة أمن مركزى وأحد الشباب العزل الذى لا يحمل إلا غضبه وشعاراته التى يهتف بها من أجل الإصلاح والتغيير ، كانت العربة الضخمة تأتى مسرعة باتجاه مجموعة من الشباب ، بهدف ترويعهم وتفريقهم ، فسبق هذا الشاب الذى لمح العربة على مبعدة ووقف فى مننتصف الشارع وكأننا أمام إحدى الحركات الخطرة لأحد مصارعى الثيران فى الحلبة عندما يتحدى الماتادور الثور الهائج الذى يعدو باتجاهه ، وقف الشاب ثابتا يحدق فى عربة الأمن المركزى المهرولة باتجاهه إلى أن أجبرها على التوقف على بعد سنتيمترات منه ، ليثبت انتصار العزل على الرصاص والحديد.
المشهد الرابع
فى الوقت الذى تراجعت فيه قوات الأمن عن أداء مهامها بحماية المنشآت العامة والخاصة ،بعد نزول قوات الجيش إلى الشوارع ، وبدأت الأنباء تتواتر بغرابة عن وجود محاولات لسرقة ونهب المتحف المصرى ، كان أول ما تبادر فى أذهان الشباب المحتجين أن يفرضوا طوقا أمنيا تلقائيا حول أسوار المتحف .
كان مشهد تشابك أيدى الشباب الواعى بأهمية حماية ثروته الوطنية مشهدا يجرى الدموع فى العيون ، وأكبر رد على المشككين الذين حاولوا إلصاق تهمة النهب بهم ، بل إن هؤلاء الشباب العزل الذين جعلوا من أجسادهم طوقا أمنيا لحماية ثروتهم القومية فى المتحف المصرى ، هم الذين قبضوا على نهابى المتحف وسلموهم إلى قوات الجيش التى أخذت مواقعها فى وسط القاهرة.
المشهد الخامس
كذب من اتهم المتظاهرون العزل والشباب دعاة التغيير بإحراق الممتلكات الخاصة والعامة ،كذب من افترى بأن هؤلاء الشباب انقلبوا على غاياتهم النبيلة وسعوا إلى الحرق والتخريب ، هؤلاء الشباب ليسوا البلطجية الذين زوروا وأفسدوا الانتخابات الماضية ، ليسوا المسجلين الذين أطلقتهم قيادات الداخلية لترويع المواطنين ليعودوا ويستنجدوا بهم ، على العكس من ذلك لقد رأينا بأعيننا كيف سعى هؤلاء الشباب النبلاء إلى الحفاظ على المنشآت العامة والخاصة ، وتنظيم المرور وهم يحملون أعلام مصر ، ويساعدون على إسعاف الجرحى والمصابين ، والعمل على تسهيل مرور عربات المطافئ ، للقيام بدورها وإطفاء الحرائق التى تركها رجال الأمن الداخلى مشتعلة بعد انسحابهم المريب.
لقد كان من أهم المشاهد خلال الأيام الماضية ، ذلك المشهد الذى يساعد فيه عدد من شباب المحتجين رجال الحماية المدنية فى إطفاء المنشآت الخاصة والعامة ، استكمالا لدورهم التلقائى النبيل فى المناداة بالتغيير ، ومواجهة المفسدين والبلطجية الذين أطلقهم الأمن على المواطنين .
بلادى بلادى ..تحيا مصر ، كانت هتافات هؤلاء الشباب الثائر والذين تعاطفوا معهم طلبا لمستقبل أفضل لهذا البلد الذى نرجوه آمنا سالما أبدا .. آمين